تربية الأبناء داخل الأسرة
والمدرسة في ظل العالم الرقمي
الفرص، المخاطر، الأسباب والعلاج
يشهد العالم منذ سنوات ثورة رقمية اجتاحت جميع المجالات قد لا نجد لها استثناء سواء على المستوى السياسي، الاقتصادي والاجتماعي.
ونعني بالثورة الرقمية هنا كل تقنيات المعلومات والاتصالات التي تحول كل الصور والفيديوهات والنصوص من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي لتصل إلينا في أي نقطة في العالم نتواجد بها عبر الشبكة العنكبوتية الأنترنيت بواسطة الأجهزة الذكية سواء كانت هواتف أو لواحات أو شاشات التلفاز أو أجهزة الكومبيوتر المحمولة والثابتة، ومن هنا أصبحت حياتنا وحياة أبنائنا مرتبطة ارتباطا وثيقا بها ترسم تجاربهم اليومية، وتشكل أفكارهم ومعتقداتهم، ويرافقهم هذا التأثر في جميع مراحلهم العمرية وتنشئتهم الاجتماعية، مما يجعلها عنصر قوة للدفع الإيجابي بأبنائنا نحو التطور الوجداني (الأخلاق والقيم والمبادئ والأحاسيس...) والفكري والعلمي أو تتسبب في انتكاسة وتأثر سلبا على مسار أبنائنا التربوي والعقدي والدراسي والصحي ومن تم مستقبلهم بشكل عام، وهذا ما يقلق الآباء والأمهات والمربين على حد سواء، ويشكل كابوسا لهم .
تشير التقارير أن:
- الشباب ما بين 14و 25 عامًا هم الأكثر اتصالًا بالإنترنت في العالم، أي بنسبة 72% من مستعملي الانترنيت و48% من عدد السكان العالم
-ونجد تقريبا طفل أو مراهق 1من3 مستخدمين للأنترنيت تقل أعمارهم عن 16 سنة
- 175,000 طفل يستخدمون شبكة الإنترنت للمرة الأولى في كل يوم يمر، أي بمعدل طفل جديد كل نصف ثانية.
من خلال هذه الأرقام الموجزة التي تعطين فكرة عن ضخامة الأرقام التي لا يتسع المقال لذكرها كلها والتي تبين أننا أمام تحدي كبير إن لم يحسن أبنائنا استعمال الأنترنيت إذن:
فما هذه الفرص التي جاءت بها التقنية الرقمية لتساهم في تطور أخلاق أبنائنا و مسارهم الدراسي والعلمي؟
وما هي المخاطر التي تهددهم والتي قد تتسبب في التأثير السلبي على مستقبلهم؟
1-تربية الأبناء بين الأسرة والمدرسة قبل التحديات الرقمية
قبل الخوض في التربية وتأثيرات الرقمنة لابد من إطلالة على التربية في السابق، وعن المؤسسات الرئيسية فيها
الا وهما الأسرة والمدرسة.
- الأسرة:
تعتبر الأسرة المؤسسة التربوي الأول والأهم في حياة الأبناء والتي لا يمكن تجاوزها أو تعويضها بمؤسسة أخرى
لما لها من خصوصية، فالعلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة تتميز بالعمق والدفء والحنان والتماسك مثل الجسد
الواحد وداخل الأسرة تتشكل شخصية الطفل و تتحدد عقيدته، لدى فمن خلال المعطيات و ملامستنا للواقع نجد
أن هناك اختلاف بين الأسر، فهناك أسر متينة البناء يغمرها الحب والألفة والحنان والأمن والطمأنينة وتربية
أبنائها أولوية قصوى عندها والعلاقة فيما بينها أسسها التقوى وهناك أسر تعيش العكس وأسر بين الأولى والثانية
و أسر منبهرة بالنموذج الغربي ثقافة وسلوكا وقيما ولكم أن تتصوروا كيف ينمو كل طفل داخل هذه الأسر وكيف
تتشكل شخصيته وعقيدته ونظرته للحياة، و للإفادة في هذا الباب نعرض:
دراسة لروبرت إبشتاين، كبير باحثي علم النفس بالمعهد الأمريكي للأبحاث السلوكية والتكنولوجيا في فيستا بولاية كاليفورنيا، تحت عنوان “تحليل علمي يضع ترتيبًا للخطوات العشر الأكثر فاعلية في تربية الأبناء رغم أن هناك بعض الخطوات لا يذكر فيها الطفل إنما الإشارة إلى الحضن والأجواء المحيطة التي تساهم في تربية ناجحة.
المهارات العشر الأساسية في تربية الأبناء:
1. الحب والعاطفة: أن تساند طفلك وتدعمه وتَقبله، وتعبر عن محبتك له جسديًّا، وتقضيان معًا وقتًا خاصًّا وممتعًا. والابتعاد عن الصراخ والضرب والعنف، وابتسامك الدائمة بوجه طفلك.
2. التحكم في التوتر والتعامل مع الضغوط: أن تتخذ خطوات لتخفيف الضغوط عن نفسك وعن طفلك، وأن تمارس تقنيات الاسترخاء وتقوم بتعزيز النظرة الإيجابية للحياة.
3. مهارات العلاقات: أن تحافظ على علاقة صحية مع زوجك، أو شريك حياتك، أو شريكك في تربية الأبناء، بالإضافة إلى أن تكون نموذجًا يُحتذى به في العلاقة الفعالة مع الآخرين.
4. الاعتماد على النفس والاستقلالية: أن تعامل طفلك باحترام وتشجعه على تحقيق الاكتفاء الذاتي والاعتماد على النفس.
5. التعليم والتعلُّم: أن تقوم بدعم التعلُّم وليس تلقين طفلك من خلال التعليم التقليدي. وأن توفر له فرصًا للبحث عن المعلومات والاكتشاف لتحقيق التعلّم الجيّد له.
6. مهارات الحياة: أن توفر جميع احتياجات طفلك، وأن يكون لك دخل ثابت، وأن تخطط للمستقبل.
7. إدارة السلوك: أن تستخدم التحفيز الإيجابي بشكل مكثف، وأن تبتعد عن أسلوب العقاب قدر المستطاع، إلا عندما تفشل وسائل إدارة السلوك الأخرى.
8. الصحة: أن تكون نموذجًا يُحتذَى به لطفلك فيما يختص بأسلوب الحياة الصحية، وتنمية العادات السليمة، مثل ممارسة الرياضة بانتظام والتغذية السليمة.
9. الدين: أن تدعم التنمية الروحية أو الدينية لطفلك، وتشارك في الأنشطة والمناسبات الروحية أو الدينية.
10. السلامة: أن تتخذ الاحتياطات اللازمة لحماية طفلك، وتبقى على دراية بالأنشطة التي يمارسها الطفل وبمَن يصادقهم.
المدرسة:
تعتبر المدرسة المؤسسة الثانية بعد الأسرة وهي مؤسسة نظامية مهمتها التربية والتعليم ويلتحق بها الأطفال
في السنة الخامسة من عمرهم أو أقل وتناط بالمدرسة مهمة التربية والتعليم بتعاون مع والأسرة حتى نضمن
لأبنائنا تربية وتعليما في المستوى المطلوب والمأمول لكن هذا المبتغى قد أصبح من شبه المستحيل تحقيقه
باستثناء حالات قليلة لا يمكن البناء عليها، لأن المدرسة بشقيها العمومي والخصوصي أصبح تركيزها على
التحصيل العلمي وأهملت الجانب التربوي ولم تعد توليه أي اهتمام، وإذا أضفنا لها المقرر الدراسي الذي
ينحو في نفس المسار نكون أمام نظام تعليمي لا يبني الإنسان ونعني بالإنسان مجموعة من القيم والمبادئ
والأخلاق والمثل وإذا أضفت له العلم والمعرفة نصبح أمام إنسان سوي صاحب همة عالية يرجى منه تغيير
الأوضاع نحو الأفضل.
2- تربية الأبناء داخل الأسرة والمدرسة وتحديات العالم الرقمي
مشاكل تربية الأبناء عند الأباء والأمهات والمربين ليست وليدة التطور الرقمي لكن تأثرها بهذا الوافد الجديد كان
واضحا سواء في الاتجاه الإيجابي أو السلبي.
قد نجزم أن الأسر التي كانت تعاني أقل من المشاكل مع أبنائها وناجحة في تربيتهم هي التي تعد من الأسر التي
استفادت من توظيف التقنية الرقمية والاستفادة من إيجابياتها وتقليص والحد من سلبياتها، والعكس صحيح،
لكن كيف يتم دلك:
أ) ما هي الفرص التي جاء بها العالم الرقمي للأسرة:
1- سهولة الوصول الى المعلومة، فكل مشكلة تعترض الأسرة في تربية الأبناء أو تعليمهم تجد لها جواب على الشبكة العنكبوتية مما سمح من الاستفادة من هذا العالم الرقمي في تنمية قدرات الأبناء وتحسين أداء الأسرة من خلال تطوير الذات والتعلم عن طريق مشاهدة مقالات فيديوهات حول التربية
2- سهولة التواصل مع المدرسة والمعلمين لمتابعة تطور الأبناء داخل المدرسة والمشاركة في الأنشطة المدرسية.
3- توفر كل المقررات الدراسية بكل أنواعها ومستوياتها وبكل الطرق النصية والمسموعة والمرئية
4- مواصلة الأبناء الدراسة عند الاستحالة للوصول إلى المدرسة بسبب المرض، الكوارث الطبيعية، السكن في المناطق النائية وغيرها.
5- مساعدة الأسرة على معرفة نتائج أبنائهم في الاختبارات ومواعيدها والحضور والتأخر وكل ما يتعلق بالأبناء عبر تطبيق خاص على شبكة الأنترنيت
6- توفير شروط التعليم الجيد للأبناء القائم على استخدام التقنية الرقمية والتي تتناسب مع سوق العمل مما يساعدهم في الحصول على فرص أفضل في المستقبل.
7- تعطي فرصة لإنشاء غرفة الدردشة يجتمع فيها الآباء والأمهات من نفس المدرسة لمناقشة مشاكل أبنائهم واقتراح حلول وتبليغ المدرسة بأقل جهد وفي أسرع وقت
وهناك فرص أخرى لا يسع المقال لذكرها كلها تشترط أسرة تجعل تربية أبنائها في صلب اهتمامها وتواكب التطور الرقمي.
ب) ما هي التحديات التي جاء بها العالم الرقمي للأسرة:
سلبيات استعمال العالم الرقمي لا يمكن حصرها في مجموعة من النقط وانتهى الأمر لسببين رئيسيين أولهما ظهور مشاكل جديدة مع التطور اليومي لتقنية الرقمية وتطور مشاكل قديمة من مستوى إلى مستوى أعلى وأخطر والأمر الثاني قرب وبعد الأسرة من الأبناء عنصر مهم في التقليل من السلبيات أو الحد منها إد يعتبر إهمال الأسرة لأبنائها السبب الرئيسي لإدمانهم على استعمال الأنترنيت.
من تأثيرات سلبيات العالم الرقمي على الأبناء نذكر منها:
1- تعرض الابن إلى المضايقة والابتزاز والمحتوى الغير اللائق مما يؤثر سلبا على صحته الجسدية والنفسية
2- التعصب العرقي والديني والدعوة إلى العنف مصدرها ألعاب الفيديو والرسوم المتحركة والفيديوهات الدموية والعنيفة
3- الإنهاك المعلوماتي حيث يتعرض الطفل لكثرة المعلومات بعضها متناقض وبعضها يفوق مستواه يدفع به إلى الانطواء والتفكير السلبي
4- التعرض للانحراف وفقدان الثقة بالنفس وتغير السلوك اتجاه الأسوأ خاصة عند مشاهدة المواد الإباحية
5- الجلوس لساعات طويلة أمام جهاز الحاسوب يعرض جسده كله للمشاكل خاصة أن كل أعضاء جسمه في طور النمو مما يجعلها تنمو بشكل غير طبيعي وغير صحي.
نتوقف عند سرد هذا الجزء من السلبيات والتي لا يمكن حصرها مهما استمرينا في صردها لكثرتها وتناسلها وتشابكها لكن يمكن حصرها في هذه العبارة: "إن الاستخدام الغير الرشيد للأنترنيت له آثار سلبية على الفرد والمجتمع ومنها اختلال منظومة القيم وقواعد السلوك، وتنامي العنف، وتفكك العلاقات، وضعف الولاء والانتماء، وضعف التواصل العاطفي بين الآباء والأبناء، وضعف التماسك الاجتماعي، وانتشار الإرهاب الإلكتروني لسرقة المعلومات السرية واختراقها ونشر المعلومات المضللة"
ج) المدرسة والعالم الرقمي الفرص والتحديات
3- كيفية التغلب على إدمان الإنترنت:
نحن الآن نعيش في العصر الرقمي، ولا يمكننا التوقف عن استخدامها لأنها لغة العصر، فالمنع أصبح
مستحيلا لذا وجب غرس القيم وترشيد استخدام الإنترنت، فكل استخدام للإنترنيت يتجاوز 20 ساعة في
الأسبوع فصاحبه مهدد بأن يصبح مدمنا على الأنترنيت.
الإدمان على الأنترنيت هو كل استخدام الانترنت بشكل مفرط حيث يتعاكس مع حياته اليومية والمتطلبات
والوظائف الواجب القيام بها، ويصبح الأنترنيت هو كل حياته يبعده عن العائلة والأصدقاء ويصبح في عزلة
عن المجتمع.
وللخروج من الإدمان أو التفادي من السقوط فيه لابد للأسرة أن تلعب دورها على أكمل وجه:
- على الآباء والأمهات أن يكون المثل الأعلى من حيث استعمال المعتدل للأنترنيت حتى يتأثر بهم الأبناء
- تحديد أوقات خاصة ومحددة لاستخدام الإنترنت.
- استخدام الإنترنت في الأماكن المفتوحة، ومراقبة المواقع التي يتصفحونها خاصة
الاجتماعية منها
- تخصيص أوقات للجلوس مع الأطفال خاصة في أوقات الفراغ
- توضيح الآباء للأطفال المخاطر التي تنطوي على الإدمان على التكنولوجيا.
- تعليمهم كيفية الحفاظ على خصوصيتهم عبر الإنترنت وتجنب مشاركة المعلومات
الشخصية
- صنع روتين يومي يتضمن القيام بعدد من النشاطات المختلفة التي لا تحتاج إلى
وسائل التكنولوجيا كالرياضة والقراءة والخروج للتنزه....
- كما على المؤسسات التعليمية أن توجده مادة يمكن تسميتها التربية الإعلامية دورها تثقيفي
توجيهي إرشادي.
وفي الأخير ندعو الأسر إلى المزيد من اليقظة لأن القادم أصعب في ظل الطفرة القادمة وخاصة تقنية الميتافيريس
وغياب دور المؤسسة التعليمية لعدم مواكبتها التطور الرقمي وحتى المؤسسات التي تواكب هذا التطور لاتواكبه
إلا من الجانب المعرفي اما التربوي فلا تعره أي اهتمام للأسف الشديد.
المصدر:
https://molhem.com/@SpeechPath/%D8%A7%D8%B5%D9%86%D8%B9-%D8%A8%D8%B7%D9%84%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D8%B7%D9%81%D9%84%D9%83-4151
https://elkanananews.com/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%83%D9%86%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D9%86%D8%AC/
إرسال تعليق