U3F1ZWV6ZTE2OTE5MTc1OTM1OTE1X0ZyZWUxMDY3NDA3OTE5NTk0MQ==

اللعب حق من حقوق الطفل

 


اللعب حق من حقوق الطفل 


اللعب حق من حقوق الطفل

بقلم الأستاذ عبد المولى المروري

لللأسف الكثير من الآباء والأمهات يزعجهم لعب أبناءهم في المنزل، وتضايقهم كثرة حركاتهم، والغالبية منهم يعتبرون ذلك شقاوة وفوضى تقتضي المنع والزجر.. فغرفة الضيوف يجب أن تبقى مرتبة، وغرفة الجلوس يجب أن تبقى منظمة ونظيفة، والأمر نفسه ينسحب على باقي مرافق المنزل.. وعلى الطفل أن يبقى هادئا وساكنا، وإذا كان من ضرورة للعب، فلا يجب أن يتجاوز الرسم أو التلوين أو الألعاب الإلكترونية دون ضجيج أو إزعاج للأب أو الأم .. اللذان من حقهما أن ينعما بقليل من الهدوء والراحة..

لا أدري هل يجهل بعض الآباء، أو يتجاهلون أن اللعب حق من أقدس حقوق الطفل، ولا سيما ذلك اللعب المقرون بالحركة والجري والقفز .. وفي ذلك تأكيد من سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال في الحديث: " عرامة الصبي في صغره زيادة في عقله في كبره"، والعرامة هي الحركة، وكما هو واضح في الحديث أن هناك علاقة بين الحركة عند الطفل والنمو العقلي ..

فعلا، إن الأطفال أحيانا عندما يمارسون ألعابهم المفضلة في البيت، فغالبا من يثيرون الفوضى، أو يتسببون ببعض الخسائر أو إتلاف بعض الأشياء، وقد تكون هذه الأشياء ثمينة بالنسبة للآباء، هذا صحيح. وقبل أن نناقش هذا الأمر لابد أن نؤكد على أن في فترة اندماج الأطفال في اللعب، فإنهم يواجهون تحديات على مستوى خمس مفاهيم مهمة، ولا معرفة أو خبرة لهم في طريقة التعامل معها.

أولا: مفهوم الأشياء:

وهذا الأمر على مستويين، المستوى الأول أن الطفل له ارتباط وثيق بعالم الأشياء، فبالتعامل معها بواسطة حواسه يتعرف على الأشياء وخصائصها ومميزاتها وأنواعها، وهي مرحلة التعامل الحسي مع العالم الخارجي، لذلك تجد الطفل مقبلا على التعرف على أي شيء يجده أمامه ولو كان يشكل خطرا عليه، ففضوله المعرفي وحب الاستطلاع لديه يدفعه إلى خوض هذه المغامرة، والمستوى الثاني هو حب تملك الأشياء، فمعظم الأطفال يحبون تملك كل ما تقع عليه أيديهم، وقد يدخلهم ذلك في توترات مع أطفال آخرين أو أشخاص لا يفهمون عن عالم الطفولة شيئًا ، وهذا المستوى مرتبط بتطور مفهوم الملكية عند الطفل ، وهذا موضوع آخر ..

ثانيا: مفهوم المكان:

 فوضوح هذا المفهوم مرتبط بمراحل نموه ونضجه، ففي طفولته الأولى، أي خلال الثلاث سنوات الأولى لا يدرك الطفل أبعاد المكان، لا يعرف الفوق أو الأسفل، أو اليمين أو اليسار … لذلك قد يكون جالسا أسفل المائدة، وعندما يريد الوقوف يضرب رأسها مع أسفلها، لأنه لا يدرك أنها فوقه، وعندما يلعب فوقها ويريد النزول، لا يدرك المسافة وأن الأرض بعيدة عليه ويقدم رجله ظنا منه أن المسافة قريبة فيسقط أرضا ويبدأ في البكاء..

لذلك عندما يلعب الطفل فإن إحاطته بأبعاد المكان تكون غامضة لديه، فهو لا يدرك المسافة عندما يقوم برمي لعبة أو كرة أو مخدة .. التي قد تسقط على شيء ثمين فتتسبب في كسره أو إتلافه، ويقع فريسة غضب أبيه أو أمه..

ثالثا: مفهوم المآل:

 فليس بمقدور الطفل أن يدرك مآلات تصرفاته ونتائجها، خاصة في مرحلة طفولته المبكرة، فالطفل خلال هذه المرحلة يجتهد في إشباع حاجاته الضرورية، وخاصة الحركية منها.. لذلك فعندما يقدم على اللعب الحركي فهو لا يقيم وزنا لمآلات حركاته وقفزه وجريه .. همه الأول والمشروع هو إشباع حاجاته وتلبية رغباته، وهذا ليس معناه أنه فوضوي أو مخرب، بل إن دماغه أرسل رسالة إلى جسده يخبره بأن هناك حاجة للحركة ويطالبه بالقيام بما يلزم، لأن ذلك من ضروريات النمو الحركي والعقلي، والجسد يستجيب بتلقائية لذلك الأمر ..

رابعا: مفهوم القيمة:

فالطفل لا يدرك قيمة الأشياء أو ثمنها أو كلفتها، خاصة في مرحلة طفولته المبكرة.. نظرته إلى الأشياء بما تحقق له من متعة، فهو قد يمزق ثوبا ثمينا، أو قد يلقي بإناء زجاجي من النوع النادر .. وقد يقوم بتلوين جدران الغرف بألوان حصل عليها، أو قد يحدث ثقوبا وتخريبا بها… كل هذا بسبب أمر بسيط جدا، هو أنه لم يتطور بعد في دماغه مفهوم القيمة .. فيحظى المسكين بإجراءات عقابية قد تكون قاسية .. وهذا يشعره بالظلم والأسى على نفسه .. فهو يعتقد أنه عوقب دون سبب معقول فيأتيه ذلك الإحساس الأليم بالظلم ..

خامسا: مفهوم الزمان:

هذا أيضا من المفاهيم التي تتطلب وقتا وتدريبا كي يتطور وينمو لدى الطفل، فالزمن عند الطفل زمن نفسي وليس زمنا اجتماعيا.. بمعنى أن الزمن ينتهي عندما يتحقق الإشباع عنده، لذلك فهو لا يشعر بمرور الوقت، ولا يعير أي اهتمام لأي التزام اجتماعي آخر .. لذلك تجده يدخل في مشادات ومناوشات وتوترات مع أبويه من أجل تحديد وقت اللعب وإنهائه ..

ختاما:

 قبل أن يقوم الآباء بمعاقبة أبناءهم على إتلاف بعض الأشياء الثمينة، فعليهم أن يدركوا أنه مهما مبلغ ثمنها فإنها لن تصل إلى قيمة شعرة من مشاعر الابن الذي عوقب بسبب مفاهيم لم تنضج بعد في دماغه، ولم يصل وقتها كي يفهمها ويتصرف بمقتضاها، على الآباء أن يدركوا أن هذه المفاهيم التي بسطتها هنا، وأخرى لم أذكرها، هم المسؤولون على تنميتها وتطويرها لدى الطفل بالطرق التربوية السليمة حتى يصل تدريجيا إلى مستوى التمييز، ويدخل بعدها إلى مفاهيم اخرى كمفهومي الصواب والخطأ.. وبعدها بسنوات ياتي مفهوما الحق والباطل .. وهكذا إلى أن يصل إلى سن النضج وسن الرشد .. فلا تظلموا أبناءكم بعقابهم على أمور لا يفهمونها ولم يحن بعد وقت إدراكها

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة